علماء الفيزياء يدرسون تفاعلات فوتون-إلكترون في تجارب الفجوة المفرغة
عندما يتقاطع الضوء والمادة، يُضيءُ العالم. وبحسب علماء في جامعة رايس Rice University، عندما يتفاعل الضوء مع المادة بقوةٍ شديدةٍ حتى يصبحا شيئًا واحدًا، فإنهما يضيئان عالمً من الفيزياء الجديدة.
يقترب علماء جامعة رايس من خلق حالةٍ جديدةٍ من المادة المكثفة حيث تعمل كل إلكترونات المادة كواحد، وذلك من خلال التلاعب بهم باستخدام الضوء ومجالٍ مغناطيسيٍ. هذا التأثير- الذي أصبح ممكنًا باستخدام فجوةٍ مصممةٍ خصيصًا ومضبوطةٍ بدقة للإشعاع في نطاق التيراهيرتز- يظهر واحدةً من أقوى ظواهر الترابط بين الضوء والمادة التي رصدت حتى الآن.
نشر هذا البحث في مجلة Nature Physics. قال عالم الفيزياء جونيشيرو كونو Junichiro Kono- الذي أجرى هو وزملاءه في جامعة رايس هذه الدراسة- أنَّ هذا البحث قد يساهم في تطوير بعض التكنولوجيات مثل الحواسب الكمية والإتصالات وذلك بكشف ظاهرة جديدة للباحثين في مجال «الديناميكا الكهربية للفجوات الكمية cavity quantum electrodynamics» والمادة المكثفة.
المادة المكثفة في مفهومها العام هي أي مادةٍ صلبةٍ أو سائلةٍ، ولكن فيزياء المادة المكثفة تدرس أشكالً أكثر غرابةً من المادة مثل تكاثفات بوز-آينشتاين. وكان فريق من جامعة رايس أحد الفرق الأولى التي وصلت لحالة تكاثف بوز-آينشتاين في عام 1995، وذلك عندما حرضوا ذراتً لتشكل غازً في درجات حرارة شديدة البرودة تفقد فيها كل الذرات خصائصها الفردية وتعمل كوحدةٍ واحدةٍ.
يعمل فريق كونو على شيءٍ مشابهٍ، ولكن على مستوى الإلكترونات المترابطة بقوةٍ أو «ملتبسة» بالضوء. قام تشي تشانغ Qi Zhang طالب الدراسات العليا السابق في فريق كونو والمؤلف الرئيسي للورقة البحثية بتصميم وبناء تجويف فائق الجودة ليحتوي على طبقةٍ رقيقةٍ جدًا من مادة «زرنيخيد الغاليوم gallium arsenide» وهي مادة استخدموها من قبل لدراسة خاصية «الفلورسنتية الخارقة superfluorescence».
عن طريق ضبط اهتزاز المادة بوساطة مجالٍ مغناطيسيٍ لتصل لحالة الرنين مع حالة محددة للضوء بداخل الفجوة، حرّضَ الباحثون تشكل «بولاريتونات polaritons» التي تعمل بأسلوب جماعي.
قال تشانغ، الذي أستند إلى هذا العمل في أطروحة الدكتوراة الخاصة به: «هذه دراسةٌ ضوئيةٌ غير خطيةٍ لمادة الكترونية ثنائية الأبعاد. عند استخدام الضوء لاستكشاف البنية الإلكترونية للمادة، فمن المعتاد أن تستعمل خاصية امتصاص الضوء أو انعكاسه أو تشتته لترى ماذا يحصل المادة. هذا الضوء يعمل كمسبارٍ ضعيف، وتسمى هذه الطريقة بالبصريات الخطية»
ثم أسهب تشانغ شارحًا: «البصريات غير الخطية تعني أنَّ الضوء يؤثر على المادة، أي أنَّ الضوء لا يعتبر مجرد إزعاج خارجي بعد الآن، بل يترابط مع المادة بقوة. وكلما تغيرت قوة الترابط، تتغير بعض خصائص المادة. وما نقوم بفعله هو الحالة القصوى للبصريات غير الخطية، حيث يترابط الضوء والمادة بقوة شديدة حتى أنَّنا لا يكون لدينا ضوء ومادة بعد ذلك. ولكن يصبح لدينا شيءٌ متوسطٌ بينهما ويدعى بالبولاريتون.»
يستخدم العلماء قيمة متغيرٍ يدعى «انقسام فراغ رابي vacuum Rabi splitting» لقياس شدة الترابط بين الضوء والمادة. في أكثر من 99 بالمائة من الدراسات السابقة عن الترابط بين الضوء والمادة في داخل الفجوات، كانت تلك القيمة نسبةً صغيرةً مهملةً من طاقة فوتونات الضوء المستعمل ولكن في الدراسة هذه كانت تلك القيمة كبيرةً، حوالي 10 في المائة من طاقة الفوتونات. وهذا يضعنا فيما يطلق عليه نظام الترابط شديد القوة.
وهذا نظام هام للغاية، فبالنهاية إذا وصلت نسبة انقسام فراغ رابي لقيمةٍ أكبرَ من طاقة الفوتونات، تتحول المادة لحالة أساسية جديدة (حيث تفقد الذرات طاقتها تمامًا). وهذا يعني أننا يمكن أن ننتج انتقالًا طوريًا، وهو عنصر هام في فيزياء المواد المكثفة.
الانتقال الطوري هو تغيرٌ في حالة المادة، مثل تحول الثلج الى ماء أو الى بخار ماء. بينما الانتقال الطوري الذي يحاول فريق كونو الوصول له هو «الإشعاع الخارق superradiant» وهو الانتقال الطوري والذي يتحول فيه البولاريتون الى حالة منتظمة على المستوى الماكروسكوبي (المستوى الكبير المرئي بالعين المجردة).
يقول كونو أن كمية الضوء ذو تردد التيراهرتز المدخل الى الفجوة صغير جداً. ولكن ما نعتمد عليه هو التموج الكمي. فبينما الفراغ في المعنى التقليدي هو فضاء خالي لا يوجد به أي شيء. أما من وجهة نظر الفيزياء الكمية، الفراغ ممتلئ بالفوتونات المتموجة، والتي تمتلك ما يطلق عليه طاقة النقطة صفر. فوتونات الفراغ تلك هي ما نحاول أن نستخدمها لتنشيط الإلكترونات داخل الفجوة بقوة.
يطلق على هذا المجال اسم «الديناميكا الكهربية للفجوات الكميةcavity quantum electrodynamics». وفي هذا المجال تقوم الفجوة بتقوية الضوء حتى تتفاعل المادة بقوة مع حقل الفراغ. ما يميز الديناميكا الكهربية الكمية لفجوة الحالة الصلبة هو أن الضوء سيتفاعل مع عدد ضخم من الإلكترونات، والتي ستعمل كذرة واحدة ضخمة جدًا.
إنَّ الديناميكا الكهربية لفجوة الحالة الصلبة هي أيضاً المفتاح لبعض التطبيقات التي تتضمن معالجة البيانات الكمية، مثل الحواسب الكمية. التداخل بين الضوء والمادة مهمٌ لأنه يحدث فيه ما ندعوه بتشابك الضوء والمادة. وبهذا التشابك يمكن أن تنقل معلومة المادة الكمية من المادة الى الضوء ثم ينتقل الضوء الى أي مكان آخر، أي تنقل المعلومات.
لزيادة فائدة فجوات الديناميكا الكهربية الكمية في مجال المعلومات الكمية نحتاج لزيادة ترابط الضوء والمادة، كذلك يجب أن يكون النظام المستخدم في حالة صلبة ويمكن تغيير حجمه وليس نظامًا على المستوى الذري أو الجزيئي. وهذا ما أنجزناه هنا.
محمد عامر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق