إذا قمت بقطع مغناطيس إلى نصفين، ستحصل على إثنين من المغانط الصغيرة، كُلٌّ من المغناطيس الأصلي والمغانط الصغيرة لها قطب شمالي وقطب جنوبي، لكن ماذا لو كان يوجد هناك فقط قطب شمالي أو قطب جنوبي؟ هذه الفرضية هي تنبؤ هام بالنسبة للعديد من النظريات وتُعرف بـ (المغانط أحادية القطب- magnetic monopoles).
فستكون المغانط أحادية القطب واحدةٌ من الجسيمات الأساسيَّة مثل الإلكترون، والتي لم يشهدها أحد حتى الآن إلَّا أنَّ العديد من علماء الفيزياء يتوقَّعون وجودها. ويقول (ويندي تايلور- Wendy Taylor) من جامعة يورك في كندا: «القوة الكهربائيَّة والمغناطيسيَّة هي نفس القوة تمامًا، وسيكون كُلُّ شيء متماثل تمامًا إذا كانت المغانط أحادية القطب موجودة، فهنالك دافع قوي مُستوحى من جمال التماثل لنتوقَّع أن أحاديات القطب موجودة».
وقد أظهر (جميس كلارك ماكسويل- James Clerk Maxwell) من خلال أعمال علماء الفيزياء في القرن التاسع عشر، أنَّ القوة الكهربائيَّة والمغناطيسيَّة هما وجهان لعملة واحدة وهي: التفاعل الكهرومغناطيسي «electromagnetic interaction». لكن في معادلات ماكسويل يظهر أنَّ القوة الكهربائيَّة هي ليست نفسها القوة المغناطيسيَّة، فالقوة الكهربائيَّة تمتلك شحنة فرديَّة موجبة وسالبة، بينما القوة المغناطيسيَّة ليست كذلك. ومن دون المغانط أحادية القطب تبدو معادلات ماكسويل غير مُتكافئة، حيث كتب ماكسويل الكثير عن مشكلة الشحنة المغناطيسيَّة المفقودة، لكنه ترك ذلك إلى النسخة الأخيرة من معادلاته.
كما كشف الرائد في ميكانيكا الكم (بول ديراك- Paul Dirac) الغطاء عن المغانط أحادية القطب في القرن العشرين. ففي وقت ديراك، أكتشف الفيزيائيون الإلكترونات وقالوا بأنَّها جسيمات غير قابلة للتجزئة وتحمل الوحدة الأساسية للشحنة الكهربائيَّة. فقام ديراك بحساب سلوك الإلكترون في المجال المغناطيسي للمغانط أحادية القطب حيث إستخدم قوانين فيزياء الكم التي تنصُّ على أنَّ الإلكترون أو أي جسيم آخر يتصرَّف كأنَّه موجة.
وبالنسبة للإلكترون المستقر قرب جسيم آخر بما فيها المغانط أحادية القطب، تقول قوانين الكم بأنَّ موجة الإلكترون يجب أن تمرَّ خلال أو تلتف حول الجسيم الآخر، بمعنى ثانٍ يجب أن تمتلك الموجة على الأقل قمة واحدة وقعر واحد وليس نصف قمم أو أرباع قعور. وفي حالة وجود البروتون مع الإلكترون، فإنَّ قانون موجة الكم يُفسِّر ألوان الضوء المُنبعث والممتص من ذرَّة الهيدروجين المُكوَّنة من إلكترون واحد وبروتون واحد.
لكن ديراك وجد بأنَّ الإلكترون يمكن أن يسلك سلوك موجيًا حقيقيًا فقط عندما يكون ناتج الشحنة المغناطيسيَّة للمغناطيس أحادي القطب والشحنة الكهربائيَّة الأساسيَّة المحمولة بواسطة الإلكترون، عددًا صحيحًا. وهذا يعني أنَّ المغانط أحادية القطب تُشبه الإلكترونات، تحمل شحنات أساسيَّة غير قابلة للتجزئة، وكُلُّ جسيم آخر يحمل شحنة كهربائيَّة أساسيَّة كالبروتونات والبوزيترونات والميونات…إلخ، يتبع نفس القاعدة.
ومن المثير للإهتمام أنَّ المنطق يسير بالاتجاه الآخر، فنتائج ديراك تقول إذا كان أحد أنواع المغانط أحادية القطب موجودًا، حتى لو كان نادرًا جدًا، فإنَّ هذا يُفسِّر خاصيَّة مهمة جدًا للمادة. فلماذا الجسيمات المشحونة كهربائيًا تحمل مضاعفات أعداد الشحنات الكهربائيَّة الأساسيَّة؟ «الكواركات مثلًا تحمل ثلث أو ثلثين من الشحنات الأساسيَّة لكنها تتَّحد دائمًا لتكوين مضاعفات عدد صحيح من نفس الشحنة». أمَّا إذا كان هنالك أكثر من نوع من المغانط أحادية القطب موجودًا، فيجب أن تحمل مضاعفات عددًا صحيحًا من الشحنة المغناطيسيَّة الأساسيَّة.
وقد كان اكتشاف ديراك حجة مقبولة حقًا، فإذا كانت المغانط أحادية القطب موجودة فإنَّها تُفسِّر الكثير، ولكن لا شيء سينهار إذا لم تكن موجودة. ومنذ أيام ديراك، تنبأت العديد من النظريات عن خصاص المغانط أحادية القطب، كما تنبأت (النظريات الموحدة الكبرى- Grand unified theories) بأنَّ كتلة المغانط أحادية القطب أكبر بـ10 كوادرليون مرَّة من كتلة البروتونات. وإنتاج هكذا جسيمات يتطلَّب طاقة أكبر من استطاعة مُسرِّعات الجسيمات الموجودة على الأرض، ولكنها الطاقة ذاتها التي كانت مُتاحةً في بداية الكون كما تقول (لورا باتريزي- Laura Patrizii) من المعهد الإيطالي الوطني للفيزياء النوويَّة.
وتبحث كواشف الأشعة الكونيَّة حول العالم عن إشارات هذه المغانط أحادية القطب، والتي تبقى طوال اليوم تتفاعل مع الجزيئات في الهواء. وتبحث تجربة (ماكرو-MACRO ) في «Gran Sasso» في إيطاليا، أيضًا عن أحاديات القطب البدائيَّة. ولحسن الحظ بالنسبة لباتريزي وتايلور أنَّ النظريات المُوحَّدة ليست هي الوحيدة التي تتنبأ بوجود أحاديات القطب. فهناك نظريات أخرى تتنبأ بوجود أحاديات القطب بكتلة أصغر، من الممكن توفيرها في (مُصادم الهايدرونات الكبير- LHC).
وبالطبع فنموذج ديراك الأصلي لم يضع أي مُحدِّدات لكتلة أحاديات القطب على الإطلاق، وهذا يعني أنَّ الفرصة مُتاحة للفيزيائيين لاكتشاف الجسيمات التي ليست جزءًا من النظريات القائمة. فباتريزي يستخدم كاشف (مويدل- MoEDAL)، وتايلور يستخدم كاشف (أطلس- ATLAS) وكُلٌّ منهما يبحث عن أحاديات القطب في مُصادم الهيدرونات الكبير.
ويقول تايلور: «هنالك العديد من الأسباب للإعتقاد بأنَّ أحاديات القطب موجودة هناك، ولا يسعنا إلَّا الاستمرار في البحث، فالمغانط أحادية القطب هي على الأرجح الجسيمات المفضلة بالنسبة لي، وإذا اكتشفنا المغانط أحادية القطب سيكون الاكتشاف على غرار اكتشاف جسيم (بوزون هيغز- Higgs boson).
محمد عامر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق