نُشر بحث في مجلّة (New Journal of Physics) التي يتمّ مراجعتها من النظراء (Peer review) بإدعاء أنّ سرعة الضوء أبطأ مما وصفته النظرية النسبية العامة لأينشتاين. وقد أثار هذا، كما هو متوقع، العناوين المعتادة في المواقع الشعبية. إذا صحّ هذا، ففي الواقع سيُغيّر تقريبًا كل القياسات التي تمّ أخذها كأساس في علم الكوزمولوجيا. سنضطر إلى إعادة حساب الكثير من التقديرات. ولكن هذا إدعاء كبير، وكما قال عالم الفلك الشهير كارل ساجان، فهو يحتاج إلى أدلة كبيرة. فلننظر إلى الأدلة.
مبدئيًا يجب توضيح اعتقاد سائد بأنّ الثابت (c) في معادلات أينشتاين تمثّل سرعة الضوء؛ هذا غير دقيق. هذا الثابت يساوي سرعة 299,792,458 متر/الثانية، وهي السرعة التي يجب أن يتحرك بها أي جسيم بدون كتلة، وبذلك هي الحدّ الأقصى للسرعة في الكون.
*يُصادف* أن للضوء نفس هذه السرعة. هذا يعنى أننا إنْ وجدنا للفوتونات كتلة صغيرة (وهذا قد يحدث في كون آخر بسبب آلية هيجز في بداية نشأة الكون)، فبالتالي ستكون سرعة الضوء أبطأ، هذا لن يغير من الثابت (c) في المعادلات، بل هذا سيعني أنه لا يوجد في الكون ما يتحرك بسرعة هذا الثابت الكوني.
سرعة الضوء يمكن استنتاجها نظريًا على أنها موجة كهرومغناطيسية بسرعة 299,792,458 متر/الثانية من معادلات ماكسويل. وتمّ قياسها تجريبيًا من قِبل العديد على مر التاريخ، وكلما تحسّنت التكنولوجيا، كلما كانت القياسات أقرب للدقة. فتمّ استخدام تقنية مقياس تداخل الليزر، تفنية دوائر الرنين التجويفية، وغيرها من التقنيات الأدق حتّى تمّ الإعلان في المؤتمر العام للأوزان والمقاييس السابع عشر عن الرقم. هذه السرعة هامّة جدًا في الكثير من النظريات والتجارب الفيزيائية التي أخذت بها كرقم مُسلّم من هذه التقنيات السّابقة، لذلك فهو أمر هام جدًا إن ثبت خطأ تقدير هذه السرعة. لهذا كالعادة سنتناول هذا البحث الجديد بعين الشك.
البحث مبنيٌّ على السوبرنوفا 1987أ بسحابة ماجلان الكبرى (مجرة قريبة)، من على بُعد 168,000 سنة ضوئية. حيث في فبراير 1987، كانت هذه أول نظرة قريبة يلقيها علماء الفلك على سوبرنوفا هي الأقرب منذ 383 عام آنذاك. يتمّ التعرّف على حدوث إنفجار سوبرنوفا ليس بالنظر إلى نجمة تلمع أكثر، ولكن بإلتقاط نيوترنوات (neutrinos). تصل النيوترينوات أولا إلينا على الأرض، ثم يصل الضوء (فوتونات) بعدها بثلاث ساعات. يتمّ ملاحظة بروز النيوترينوات في ثلاث مراصد مختلفة (منفصلين).
الآن فد تسأل، كيف يصل النيوترينو من السوبرنوفا قبل الفوتون؟ أليس من المستحيل السفر أسرع من الضوء؟ يتضح من فيزياء الجسيمات أن النيوترينو لا تعيقه المادة أبدًا (حتى سنين ضوئية من الرصاص!)، حيث يتفاعل معها بشكل ضعيف جدًا. على الجانب الآخر، الضوء يتفاعل بكثرة مع المادة العادية. فالضوء المتكوّن في لب الشمس قد يأخذ عشرات الآلاف من السنين ليصل إلى سطح الشمس، بسبب التفاعل مع المادة. في السوبرنوفا، يُنتَج النيوترينو والفوتون في نفس الوقت. النيوترينو تمر على الفور من خلال النجمة، لكن الفوتون “يُحصر” في لب النجمة حتى تبدأ موجة صدمة في تمزيق النجمة. هنا تكون الكثافة أقل ويصبح أسهل للصوء أن يهرب. النماذج العلمية تقدر هذا بحوالي 3 ساعات بعد التفاعل الأول.
إذن فالتّأخر في وصول الضوء ناتج عن فيزياء السوبرنوفا، وليس نيوترينوات أسرع من الضوء. ولكن يتضح أنه ساعتان قبل أن تلتقط مراصد النيترونات الثلاثة هذا الحدث، لاحظ مرصد رابع إشارة ضعيفة لنيوتريونات. بما أنّ هذه الإشارة لم يلتقطها باقي المراصد، فيُعتقَد عادةً أن هذا مجرد حدث عشوائي. لكن كاتب الورقة البحثية يجادل بأنها إشارة حقيقة من السوبرنوفا 1987أ. وبهذا يدعي أن التفاعل الأول بدأ أبكر، وأن الضوء ظهر متأخرًا عدة ساعات مما تتوقع النماذج المعروفة.
لو افترضت أن الإشارة الأولى الضعيفة هذه صحيحة، فيمكنك تفسيرها مثلا بالنظر لتفاصيل نماذج السوبرنوفا الموجودة، تفترض مثلا أن هناك تفاعل مزدوج حيث يأتي التفاعل الثاني فقط بموجة الصدمة في النجمة. وبهذا يحدث إنفجارين للنيتورينو وتأخر في وصول الضوء. بعض العلماء فسروها على أنها نجم كواركات، الآخر قال بأ هذا يرجع بعض التراب في الطريق إلينا. ولكن هذا العالم قرر أخذ طريق مختلف. لقد اقترح أن إنفجار للنيوترينو بدأ موجة الصدمة، وخرج الضوء ولكنه تأخر في الوصول إلينا لأنه يسافر أبطأ قليلا مما نعتقد. لذا، فبناءً على ملاحظة واحدة، قرر هذا الباحث إعادة كتابة القوانين الأساسية للفيزياء.
بدون الإطالة والدخول في تفاصيل البحث، افترض هذا الباحث أن الضوء أبطأ بناءً على ظاهرة كمومية معروفة وهي تذبذب واستقطاب الفراغ، فالضوء وهو يسافر عبر الفضاء قد مادة ومادة مضادة (إلكترون وبوزيترون) للحظة قصيرة ثم يجتمعان لفوتون مرة أخرى. هذا ليس جديد، ولكن الباحث ينظر إليها بنظرة مختلفة. فهذه الظاهرة يُنظر لها على أنها تحوي جسيمات إفتراضية (Virtual particles) وليست حقيقية فعليًا، ولكنها مفترضة على أساس نظري، ولا تهم فيزيائيًا لأنك في النهاية تحصل على نفس الناتج. عمومًا، قال الباحث أن هذه الظاهرة تهم فيزيائيًا وأن الفوتون حين ينقسم، فالجسيمات التي انقسم إليها لا تسافر بسرعة الضوء، وعلى المسافات الكونية الكبيرة، سيظهر أن الضوء أبطأ مما هو متوقع. فقام بالحسابات، وظهرت له أن هذا سيفسر التأخير في عدد الساعات.
محمد عامر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق