يستخدم مصطلح (إكسوبلانيت – Exoplanet) للإشارة إلى الكواكب القابعة خارج مجموعتنا الشمسية، تم اكتشاف الآلاف من هذه الكواكب خلال العقدين المنصرمين، ومعظمها اكتشف بواسطة تلسكوب كبلر الفضائي التابع لناسا.
تأتي هذه العوالم في مختلف الأحجام والمدارات؛ كواكب كبيرة، كواكب صغيرة، كواكب قريبة جداً من نجومها، كواكب جليدية، كواكب صخرية، وتبحث ناسا ووكالات أخرى عن نوع مميز من الكواكب: نوع يمتلك نفس حجم كوكبنا الأم، ويدور حول نجم شبيه بشمسنا في مدار صالح للحياة.
النطاق الصالح للحياة هو ذلك النطاق الذي يبعد عن النجم بعداً كافياً بحيث يسمح بوجود درجة حرارة مناسبة على الكوكب تتواجد فيه المياه بشكل سائل، في السابق اعتمد تعريف النطاق الصالح للحياة ببساطة على التوازن الحراري، لكن الحسابات الحالية لهذه النطاقات تضع في عين الاعتبار المزيد من العوامل، منها تأثير غازات الدفيئة على غلاف الكوكب الجوي، لكن إضافة هذه العوامل جعل تمييز النطاقات الصالحة للحياة أمراً أصعب قليلاً.
أعلن الفلكيون في أغسطس من عام 2016 احتمال اكتشافهم كوكباً مطابقاً لهذه المواصفات يدور حول نجم «بروكسما سنتوري – Proxima Centauri»، وسمي ذلك العالم الجديد باسم «بروكسما بي – Proxima b»، ويبلغ حجمه 1.3 أكبر من حجم الأرض، ويعتقد أنه كوكب صخري، وأضاف الباحثون أن الكوكب يقع ضمن النطاق الصالح للحياة، مبتعداً عن نجمه بمسافة تبلغ 4.7 مليون ميل (7.5 مليون كيلومتر)، ويكمل دورة كاملة كل 11.2 يوم أرضي، كنتيجة لهذا يرجح أنه لا يخضع للمد والجزر وأنه دائماً يظهر الوجه نفسه لنجمه، تماماً كما يظهر القمر وجهاً واحداً – الوجه الأقرب إلى الأرض – بالنسبة للأرض.
اكتشافات مبكرة
بالرغم من عدم اكتشاف الكواكب الخارجية حتى أواخر التسعينيات، إلا أنهم كان مقتنعين سلفاً بوجودها، لم يكن هذا الاقتناع صادرا فقط عن رغباتهم بل بسبب متابعتهم للكيفية التي تدور فيها الشمس ونجوم أخرى ببطئ، كما أخبر عالمالفيزياء الفلكية جيمي ماثيوز وموقع الفلك والفضاء «space.com»، ماثيوز هو العالم الذي يعمل على مهمة مراقبة الكواكب الخارجية باستخدام تلسكوب الاختلافات الميكروية والتذبذبات للنجوم المسمى «MOST – Microvariability and Oscillations of Stars»، ولعب هذا التلسكوب دوراً مهماً في الاكتشافات المبكرة للكواكب الخارجية.
يملك علماء الفلك رؤية أصيلة للكيفية التي نشأ فيها نظامنا الشمسي؛ حيث تكون غيمة من الغازات والاغبرة ( أو ما سمي بسديم النظام الشمسي الأولي – Protosolar nebula»، ومع انهيار هذه الغيمة، وبالنظر إلى مبدأ حفظ الزخم الزاوي، فإن ما أصبح فيما بعد شمساً وجب عليه في تلك المرحلة أن يدور بسرعة كبيرة، لكن بينما تمتلك الشمس 99.8% من كتلة النظام الشمسي، فإن الكواكب تمتلك 96% من الزخم الزاوي، مما دعا الفلكيين إلى أن يسألوا أنفسهم: لماذا تدور الشمس بمنتهى البطئ؟
لا بد من أن الشمس في مقتبل عمرها امتلكت حقلا مغناطيسيا في منتهى القوة، الذي بلغ نفوذه إلى دوامات الغاز التي تشكلت الكواكب منها، هذه الخطوط المغناطيسية ارتبطت مع الجسيمات المستهدفة في الغاز وعملت كالمراسي التي تبطئ من دوران الشمس المبكرة وبالمقابل تزيد من السرعة الدورانية للغازات التي في نهاية الأمر أصبحت الكواكب المعروفة، معظم النجوم كالشمس تدور بشكل أبطئ مما ينبغي، لذا خمن الفلكيون أن نفس نظام الفرملة المغناطيسي الذي حصل لللشمس حصل مع باقي النجوم، مما يعني أن تكون الكواكب أخذت دوراً فيها أيضاً، والنتيجة: لا بد للكواكب أن تكون شائعة حول النجوم الشبيهة بالشمس.
لأجل هذا السبب وأسباب أخرى، بدأ علماء الفلك بالبحث عن الكواكب الخارجية في نجوم شبيهة بالشمس، لكن مالم يكن متوقعاً أن أول اكتشافين كانا لكواكب تدور حولها نجوم نابضة – حطام نجمي نتج عن مستعر أعظم ويدور بسرعة هائلة – الأول اكتشف سنة 1992 وسمي «PSR 1257 +12»، واكتشف الثاني سنة 1995 وسمي « 51 Pegasi – b» وهو كوكب تعادل كتلته كتلة المشتري وأقرب 20 مرة إلى شمسه منا إلى شمسنا، هذا الاكتشاف مثل مفاجأة، لكن ظهر شذوذ آخر بعدها بسبع سنوات مهد إلى كثرة الكواكب الخارجية المكتشفة فيما بعد.
اكتشف فريق من الكنديين كوكباً بحجم المشتري يدور حول نجم «Gamma Cephei» في سنة 1988، لكن بسبب صغر مداره عن مدار المشتري، فإن العلماء لم يرجحوا وجود كوكب هناك، وكما يقول ماثيو: «لم نتوقع وجود كواكب هناك، فقد كان مختلفاً للغاية عن أي كوكب في مجموعتنا الشمسية مما جعلنا حذرين».
تفجر البيانات
معظم الاكتشافات الأولى للكواكب الخارجية كانت كواكبَ كبيرة الحجم – بحجم كوكب المشتري بل أكبر- من العمالقة الغازية التي تدور بالقرب من نجومها، هذا لأن علماء الفلك كانوا يعتمدون على تقنية السرعة الدائرية؛ والتي تقيس ذبذبة النجم عندما يدور كوكب ما حوله، وهذه الكواكب العملاقة والقريبة تنتج كاستجابة منها تأثيراً كبيراً على نجومها بسبب كبر حجمها، مما تجعل من السهل اكتشافها.
قبل وصول عصر اكتشافات الكواكب، لم تستطع الأجهزة سوى قياس الحركات بدرجة دقة تصل إلى كيلومتر واحد لكل ثانية وهذا عديم الدقة عند الكشف عن الذبذبات الناتجة عن وجود كوكب ما، أما أجهزة اليوم تستطيع القياس بدقة تصل إلى سنتمتر واحد لكل ثانية، واستناداً إلى ماثيو: « يعود الفضل جزئياً إلى تحسن الأجهزة، والسبب الآخر إلى أن علماء الفلك الآن أكثر خبرة في التقاط الإشارات الصادرة عن البيانات».
واليوم، تأكد وجود أكثر من 1000 كوكب خارجي من خلال تلسكوب واحد فقط؛ تلسكوب كبلر الفضائي، وصل هذا التلكسوب إلى مداره في عام 2009 وبدأ رحلته في البحث عن الكواكب لأربع سنوات، ويستخدم كبلر تقنية تدعى «العبور»، يقيس بها كمية الخفوت في ضوء النجم عندما يمر كوكب من أمامه، اكتشف كبلر وفرة من مختلف أنواع الكواكب، بجانب العمالقة الغازية والكواكب الصخرية، كما ساعد التلسكوب على التعرف على صنف جديد من الكواكب سمي بالكواكب الأرضية الفائقة الحجم أو «super – Earths» وهي كواكب يتراوح حجمها بين حجم الأرض ونبتون، بعض هذه الكواكب يقع ضمن النطاقات الصالحة الحياة، لكن علماء الفلك الحيوية سيعودون لوضع أسس جديدة ووضع اعتبارات أجدد لقابلية هذه الكواكب أن تكون حاضنة للحياة أو أن تتطور الحياة فيها.
في ال2014، كشف فلكيو تلسكوب كبلر (ومن ضمنهم أحد طلبة ماثيو السابقين جيسون روي) عن طريقة «التحقق من خلال التعددية» وهي طريقة يفترض بها زيادة معدل ترشيح الفلكيين لاحتمالات وجود كواكب خارج المجموعة الشمسية، واقتبست هذه الطريقة عن الاستقرار المداري – والعديد من عمليات العبور ذات الفترات القصيرة لا تنسب إلا إلى الكواكب ذات المدارات الصغيرة.
في حين انتهاء كبلر ومرصد «CoRot» الفرنسي من مهماتهم الأساسية، نجد العلماء لا يزالون ينقبون في البيانات بحثاً عن الاكتشافات، كما أن هذا لا يعني انتهاء البحث عن الكواكب، فتلسكوب «MOST» لا يزال قيد العمل بالإضافة إلى القمر الصناعي التابع لناسا «Transiting Exoplanet Survey Satellite – Tess – ستالايت البحث عن الكواكب الخارجية العابرة»، والقمر الصناعي السويسري «Cheops – Characterizing ExOplanets Satellite – ستالايت لتمييز الكواكب الخارجية»، بالإضافة إلى إطلاق وكالة الفضاء الأوروبية لمركبة «أفلاطون – Plato» التي سوف تبحث قريباً وهي في الفضاء عن أي عبور لتلك الكواكب، أما على الأرض يوجد لدينا «الباحث عن الكواكب ذات السرعة الدائرية عالية التردد أو «هاربس- HARPS- High accuracy radial velocity planet searcher» وهو منظار تحليل طيفي أو سبكتروجراف تم تركيبه على تلسكوب سيلا البالغ طوله 3.6 متر في التشيلي والذي ساهم حتى الآن في اكتشاف أكثر من 130 كوكب خارجي، وهناك أيضاً العديد من التلسكوبات الأخرى القائمة على البحث.
أحد الأمثلة الأخرى أيضاً كما ذكرها ماثيو هو تلسكوب سبايتزر الفضائي التابع لناسا «Spitzer»، هذا التلسكوب بفضل حساسيته تجاه الاشعة تحت الحمراء، فإنه يستطيع تكوين مقطع لدرجة حرارة تلك الكواكب وإعطاء بعض المعلومات القيمة عن أغلفتها الجوية.
رسم بياني يوضح الأحجام النسبية للكواكب الخارجية التي اكتشفها كبلر، وثم مقارنة حجمها مع الأرض والمشتري
تشكيلة من الكواكب الخارجية
• بوجود 2000 كوكب تقريباً لنختار منها، فإنه من الصعب تضييق خياراتنا إلى مجموعة صغيرة، والكواكب الصلبة القاطنة في نطاقات صالحة للحياة هي كواكب بارزة لا يجب تجاهلها، لكن ماثيو اختار خمسة كواكب فقط ساهمت في توسيع مداركنا عن كيفية تشكل وتطور الكواكب: «51 Pegasi b»: كما ذكر سابقاً، فإن هذا الكوكب كان أول الكواكب الذي تأكد وجودها في مدار نجم شبيه بالشمس، تعادل كتلته نصف كتلة المشتري، ويدور حول نجمه من مسافة تساوي تقريباً المسافة بين عطارد والشمس، لذا فإن هذا الكوكب قريب جداً من نجمه إلى درجة تجعله يظهر نفس الوجه دائماً لذلك النجم.
• «HD 209458 b»: هذا أول كوكب – اكتشف سنة 1999 – رصد أثناء عبوره من أمام نجمه وخلال السنوات التالية اكتشف العديد، وكان أول كوكب خارج نظامنا الشمسي استطعنا تمييز غلافه الجوي، ودرجة حرارته وافتقاره للغيوم.
• «55 Cancri»: كتلته أكبر من الأرض وأصغر من كتل العمالقة الجليدية مثل نبتون وأورانوس، يدور حول نجم ساطع بشكل كافٍ ليجعل رؤيته ممكنة بالعين المجردة، مما يعني أن علماء الفلك يستطيعون دراسة هذا النظام بتفصيل أكثر من الأنظمة الأخرى، سنة هذا الكوكب تعادل فقط 17 ساعة و41 دقيقة، يخمن الباحثون أن الكوكب غني بالكربون ويمتلك لب من الألماس.
• «HD 80606 b»: عندما اكتشف في سنة 2001، كسر رقماً قياسياً من ناحية امتلاكه أكثر المسارات انحرافاً، وقد رجح امتلاكه لهذا المدار الغريب – المشابه لمدار مذنب هالي حول الشمس – إلى تأثره بنجم آخر غير نجمه الأم، وهذا المسار لعب دورا في جعل مناخ هذا الكوكب شديد التقلب.
• «WASP 33-b»: اكتشف هذا الكوكب سنة 2011، ويمتلك هذا الكوكب واقيا شمسيا من نوع ما – ستراتوسفير – يمتص معظم الضوء المرئي والفوق البنفسجي من نجمه الأم، والغريب في هذا الكوكب هو دورانه بشكل عكسي وإطلاقه بعض الاهتزازات على نجمه الأم.
محمد عامر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق