تُقتل المجرات في أطراف الكون المترامية، والسؤال الذي يسعى العلماء للإجابة عنه هو: ما الذي يقتل المجرات؟
نشر فريق عالمي من الباحثين -في المركز الدولي لإذاعة أبحاث علم الفلك- دراسة جديدة، يبحثون فيها عن إجابة لهذا التساؤل.
كشفت الدراسة أن هذه الظاهرة التي تُدعى (تجريد ضغط الدفع) أكثر انتشارًا مما كان يُعتقد سابقًا.
تحصل هذه الظاهرة عند دفع الغازات بقوة بعيدًا عن المجرات مما يتسبب في موتها مبكرًا بعد حرمانها من الغازات والعناصر الأساسية لتكوين نجوم جديدة.
أظهرت الدراسة التي أُجريت على 11.000 مجرة، أن الغازات -التي تعتبر شريان الحياة لولادة النجوم- تُدفع بعنف بعيدًا لتنتشر على نطاق واسع في أرجاء الكون المحلي.
يقول توبي براون (Toby Brown) المشرف الرئيسي على هذه الدراسة -والمرشح للحصول على شهادة الدكتوراه- في المركز الدولي لأبحاث علم الفلك الراديوي وجامعة (سوينبرن) التكنولوجية: «التصور الذي رسمناه كعلماء فلك، هو أن المجرات تترسخ في سحابات من المادة المظلمة، نطلق عليها اسم هالات المادة المظلمة».
المادة المظلمة هي المادة الغامضة التي على الرغم من كونها لامرئية إلا أنها تشكّل ما لا يقل عن 27% من كوننا، بينما تشكل المادة الاعتيادية 5% منه فقط، أما النسبة المتبقية فتتشكل من الطاقة المظلمة بنسبة 68%.
يقول السيد براون: «تستقر المجرات خلال فترة حياتها في هالات بأحجام مختلفة، تتراوح كتلتها بين اعتيادية -كهالة مجرتنا درب التبانة- وأخرى تفوقها ضخامة بآلاف المرات».
حالما تقع المجرات في الهالات ذوات الكتلة الضخمة، تتخلص البلازما ذات الحرارة المرتفعة بين المجرات من غازاتها في عملية تتم سريعًا تُدعى (تجريد ضغط الدفع).
يُكمل براون: «تستطيع تخيل الأمر كمقشة كونية عملاقة تخترق الهالات وتكنس المجرات متخلصة من غازاتها، تاركة المجرات غير قادرة على تشكيل نجوم جديدة. يمد الغاز المجرة بالحياة، فيساعد نجومها على أن تهدأ وتستقر وتبدأ بالنمو. إذا منعت الوقود الأساسي لتشكل النجوم ونموها، فأنت بالتالي قتلت المجرة وحولتها إلى جرم ميت».
تقول الباحثة في المركز الدولي لإذاعة أبحاث علم الفلك، ومؤلفة مساعدة في هذه الدراسة، أن علماء الفلك قد توصلوا إلى أن تجريد ضغط الدفع يؤثر على المجرات على شكل عناقيد تُعد الهالات الأكثر ضخامة في الكون حتى الآن.
يقول براون: «أثبتت هذه الدراسة أن ذات العملية تحصل في مجموعات أصغر متكونة من عدد قليل من المجرات متجمعة معًا وتحوي نسبًا أقل من المادة المظلمة. أغلب المجرات في الكون تعيش في تجمعات كهذه في أعداد تتراوح بين مجرتين ومئة مجرة. لقد اكتشفنا أن هذه الإزاحة بتجريد غازات المجرات من المحتمل أن تكون الطريقة الفعالة لإخماد المجرات بما يحيطها، بمعنى أن غازاتها قد طُردت وعملية تشكُّل النجوم قد توقفت».
استخدمت هذه الدراسة تقنية مبتكرة تجمع بين أكبر مسح بصري كامل على الإطلاق يُدعى مسح السماء الرقمي (ذا سلون)، مع أكبر مجموعة مراقبة لاسلكية للغاز الذري في المجرات تدعى باسم مسح (ألفا). نُشرت الدراسة في دورية الإشعارات الشهرية للجمعية الفلكية الملكية.
يقول براون: «إن العملية الأساسية الأخرى التي تؤدي إلى نفاذ الغاز من المجرات وبالتالي إلى موتها، يُطلق عليها اسم (الاختناق)، وتحصل عندما يُستهلك الغاز في تسريع حركة النجوم بدلًا من سد حاجتها، لذا تبقى المجرة في حالة جوع شديد حتى الموت. هذه العملية بطيئة؛ على عكس ما تفعله عملية تجريد ضغط الدفع التي تتخلص من الغازات بإبعادها سريعًا عن المجرات. فلكيًا، تُعتبر هذه العملية سريعة جدًا، إلا أنها في الحقيقة تستغرق عشرات ملايين السنين».
محمد عامر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق