لماذا تستطيع كسر البيضة، لكن لا تستطيع ترميم أجزائها المحطمة ؟ لمعرفة الجواب، يجب علينا العودة إلى ميلاد الكون
«آدم بيكر»
هنالك بيضة على وجهك، وحاولت بخفة يدك أن تتلاعب بالبيض بين يديك، لكن فجأة ومن غير سابق إنذار، وقع ما ليس بالحسبان، والآن عليك أن تأخذ دشاً وتغير ملابسك.
ألن يكون من الأسرع لو أعدت البيضة المكسورة إلى حالته السابقة؟! فكسر البيضة أخذ منك بضع ثوان، فلماذا لا تعيد الكرة، لكن هذه المرة بالعكس؟ فقط أعد تجميع القشرة وارمي بالصفار والبياض داخلاً، وستحفظ نظافة وجهك وملابسك ولن يكون هناك صفار في شعرك، وكأن شيئاً لم يحدث.
السؤال يبدو سخيفاً لكن لماذا؟! لماذا من المستحيل تماماً استرجاع البيضة المكسورة؟
لماذا لا تحدث الأشياء بالعكس طوال الوقت؟
هذا ليس ممكناً. رغم أنه لا يوجد قانون أساسي في الطبيعة يمنعنا من استرجاع البيض، في الحقيقة فإن الفيزياء تخبرنا بأن أي حدث في حياتنا يوماً بعد يوم قد يحدث عكسياً، عند أي لحظة، لذا لماذا لا نستطيع استرجاع ما كسرناه من بيض، أو استعادة ما حرقناه من أعواد الثقاب، أو حتى عدم لي الكاحل الملتوي؟ ولماذا يبدو المستقبل مختلفاً عن الماضي؟
قد يبدو سؤالاً بسيطاً، لكن حتى يتسنى لنا الإجابة عنه، يجدر بنا أن نعود في الزمن إلى الوراء حتى ميلاد الكون، هبوطاً إلى العالم الذري، وخارج حدود الفيزياء.
اسحاق نيوتن
Isaac Newton (Credit: Photo Researchers/Alamy)
كالعديد من قصص الفيزياء، تبدأ هذه القصة بإسحاق نيوتن، أجبر نيوتن في عام 1666 م بسبب انتشار الطاعون على مغادرة جامعة كامبريدج والعودة للعيش مع أمه في (لينكونشير) وحيداً ومعزولاً، حيث انكب على دراسة الفيزياء.
ثم أتى لنا بقوانين الحركة الثلاث، من ضمنها المبدأ بأن لكل فعل رد فعل مساوٍ بالمقدار ومعاكس بالاتجاه، كما ابتكر تفسيراً لكيفية عمل الجاذبية.
كانت قوانين نيوتن وما زالت ناجحة بشكل مدهش في وصف العالم، كما فسرت سقوط التفاح من الأشجار ودوران الأرض حول الشمس، لكنها امتلكت ميزة غريبة من نوعها : فهي تعمل بالتساوي باتجاه الأمام وباتجاه الخلف، فإذا كسرت البيض، فقوانين نيوتن تخبرك بأنه يمكنك استرجاع هذا البيض.
من الواضح أن هذا أمر خاطئ، لكن تقريباً كل نظرية اكتشفها الفيزيائيون منذ نيوتن تملك نفس المشكلة، وببساطة لا تهتم قوانين الفيزياء ما إذا كان سهم الزمن يجري للأمام أو للخلف، بنفس الطريقة التي لا تهتم فيها إذا ما كانت تكتب بيدك اليمين أو اليسار.
لكننا نهتم بالفعل، نعلم من خلال تجربتنا أن الوقت يمتلك سهماً يتجه دائماً إلى المستقبل، «قد تستطيع خلط الشرق مع الغرب، لكنك لن تخلط بين البارحة والغد» كما يقول شون كارول الفيزيائي في جامعة كاليفورنيا للتكنولوجيا في بأسادينا، ويضيف :«لكن القوانين الأساسية للفيزياء لا تميز بين الماضي والحاضر».
لودويج بولتزمان
Ludwig Boltzmann (Credit: INTERFOTO/Alamy)
« كان منبوذاً من المجتمع الفيزيائي بسبب أفكاره»
أول شخص أثار هذه القضية كان الفيزيائي النمساوي لودويج بولتزمان، الذي عاش في أواخر القرن التاسع عشر، وفي ذاك الوقت، كانت العديد من الأفكار المعروفة اليوم بصحتها مطروحة للنقاش والمناظرة، وبالتحديد لم يقتنع الفيزيائيون – كما هم أيضاً اليوم – أن كل شيء مصنوع من أجسام صغيرة تسمى بالذرات، وكانت فكرة الذرات – استناداً إلى العديد من الفيزيائيين – من المستحيل ببساطة اختبارها.
كان بولتزمان مقتنعاً بأن الذرات موجودة فى الواقع، لذا بدأ باستخدام فكرة تفسر مختلف الأشياء الموجودة، كاشتعال النار، وكيفية عمل الرئتين، ولماذا يبرد الشاي عند النفخ عليه، كما اعتقد أنه قد يستطيع إيجاد معنى لجميع هذه الأشياء باستخدام مفهوم الذرات.
أعجب بعض الفيزيائيين بأعمال بولتزمان، لكن أغلبهم قد أبدى رفضه لها، ولفترة طويلة كان مجتمع الفيزياء ينبذه بسبب أفكاره.
درس بولتزمان المياة الساخنة بشكل مركز بسبب اهتمامه بطبيعة الحرارة. قد لا يبدو لك هذا الأمر متصلاً مع طبيعة الوقت لكن بولتزمان أظهر لنا أن كلا الأمرين مترابطان.
لا تعطي النار معنى إلا إذا تكونت من الذرات
Fire only makes sense if it’s made up of atoms (Credit: Jon Helgason/Alamy)
في ذلك الوقت، توصل الفيزيائيون إلى نظرية الديناميكا الحرارية، والتي تصف السلوك الحراري، على سبيل المثال، تصف الديناميكا الحرارية كيف تستطيع الثلاجة الحفاظ على الطعام بارداً في يومٍ حار.
لذا أعتقد أنداد بولتزمان أن الحرارة يمكن تفسيرها بأي من المفاهيم الموجودة، كما قالوا أن الحرارة هي ببساطة ليست إلا حرارة.
عقد بولتزمان العزم لإثبات خطئهم، فهو في دوره اعتقد أن الحرارة ناجمة عن الحركة العشوائية للذرات، وأن كل هذه الديناميكا الحرارية يمكن تفسيرها ضمن هذه المفاهيم، وكان على صواب، لكنه أمضى بقية حياته محاولاً إقناع الآخرين.
ضع مكعبات ثلجٍ في الماء وستبدأ المكعبات بالذوبان
Put ice cubes into water, and they will surely melt (Credit: OJO Images Ltd/Alamy)
بدأ بولتزمان في محاولة تفسير شيءٍ غريب : وهي «الإنتروبيا- Entropy» ، استناداً إلى الديناميكا الحرارية، كل جسم في العالم يمتلك مقداراً محدداً من الإنتروبيا مقترنة به، وكلما حدث شيئاً ما له، تزداد قيمة الإنتروبيا، وعلى سبيل المثال إذا وضعت مكعبات ثلج في كأس من الماء وتركت المكعب يذوب، فإن الإنتروبيا في داخل الكأس تزداد.
ازدياد الإنتروبيا ليس كأي شيءٍ آخر في الفيزياء : فهي عملية تتجه في اتجاه واحد، ولا يعرف أحد لماذا تزداد دائماً.
ناظر زملاء بولتزمان أنه ليس ممكناً تفسير لماذا تزداد الإنتروبيا دائماً، فهي ببساطة تزداد، لذا مرة أخرى كان بولتزمان غير راض، ودأب على البحث عن معنى أعمق، واختزلت نتيجته في فهم متطرف جديد للإنتروبيا ، واكتشاف من الأهمية بحيث أنه نحت على شاهد قبره.
شاهد قبر بولتزمان وفي أعلاه نقشت معادلة الإنتروبيا.
Ludwig Boltzmann’s tombstone, complete with entropy equation (Credit: Daderot, CC by 3.0)
اكتشف بولتزمان أن الإنتروبيا تقيس عدد الطرق التي تترتب بها الذرات والطاقة التي تحملها، فعندما تزداد الإنتروبيا، هذا لأن الذرات تصبح أكثر تشوشاً.
واستناداً إلى بولتزمان، فإن هذا هو سبب ذوبان الثلج في الماء، فعندما يكون الماء سائلاً، فإنه يوجد في هذه الحالة طُرقاً أكثر لترتيب جزيئات الماء، وطرقاً أكثر لمشاركة الحرارة بين هذه الذرات،وعندما يكون الماء سائلاً، فهنالك ببساطة وسائل عديدة يمكن أن يذوب بها الثلج، ووسائل أقل ليبقى صلباً، عندها بأغلبية ساحقة سيذوب الثلج بالنهاية.
لا تستطيع استرجاع البيضة المكسورة
You cannot un-break an egg (Credit: Pierangelo Pirak)
ببساطة إذا رميت قطرة كريمة على قهوتك، فإن الكريمة سوف تنتشر خلال الكأس كاملاً، لأن هذا يؤدي إلى إنتروبيا أكبر، ولأن هناك طرق أكثر لترتيبها في الكأس من ترتيبها في منطقة صغيرة.
الفوضى وفقاً لبولتزمان، ترجح كفتها دائماً، والأجسام ذات إنتروبيا قليلة تعتبر مرتبة وأنيقة، ومن غير المرجح أن تتواجد، أما الأجسام ذات الفوضى العالية فهي غير مرتبة مما يعطيها الأفضلية في التواجد، وتزداد الإنتروبيا دائماً لأنه من السهل أن تصبح الأشياء غير مرتبة.
قد يبعث هذا الأمر على الاكتئاب إذا أحببت منزلك أن يكون موضباً على الأقل، لكن أفكار بولتزمان عن الفوضى تمتلك جانباً آخر : يبدوا أنها تفسر سهم الزمن.
ألم يكن الزمن مبيناً مع الكون؟
Is time built into the universe? (Credit: Robert Harding Picture Library Ltd/Alamy)
أخذ بولتزمان على عاتقه تفسير سبب زيادة الإنتروبيا، هذا التفسير الذي بدوره سوف يقترح لماذا نختبر دائماً تقدم الوقت إلى الأمام، وإذا كان الكون يتحرك من إنتروبيا قليلة إلى إنتروبيا عالية، فإنه لن نستطع أبداً رؤية الأحداث بالمقلوب.
«يبدوا المستقبل مختلفاً عن الماضي لأنه الإنتروبيا ببساطة بازدياد»
لن نرى البيض المكسور يعود كما كان، لأنه هناك العديد من الطرق التي نستطيع فيها ترتيب قطع البيض، وجميعها تقريباً تقودنا إلى بيضة مكسورة بدلا من بيضة سليمة، تماماً كما الثلج الذائب الذي لن يعود كما كان قبل الذوبان، وكما أعواد الثقاب المحترقة التي لن تصبح غير محترقة والكاحل المنحني الذي لن يرجع في الزمن إلى ما قبل الانحناء .
يفسر تعريف بولتزمان للإنتروبيا لماذا نستطيع تذكر الماضي وليس الحاضر، تخيل العكس : تخيل أنك تمتلك ذاكرة عن حدث ما، ثم يحدث هذا الحدث، ثم تختفي الذكرى، إن احتمالات حصول أمر كهذا لعقلك هي احتمالات ضئيلة.
استناداً إلى بولتزمان، يبدو المستقبل مختلفاً عن الماضي لأن الإنتروبيا ببساطة بازدياد، لكن أنداد بولتزمان المزعجين أظهروا عيباً في هذا المنطق.
بمجرد حصوله لا يمكن إلغاءه
Once done, this cannot be undone (Credit: Kevin Twomey/Alamy)
قال بولتزمان إن الإنتروبيا تزداد كلما ذهبنا إلى المستقبل، بسبب الاحتمالات التي تحكم سلوك الأجسام الصغيرة كالذرات، لكن هذه الأجسام الصغيرة هي بنفسها تطيع قوانين الفيزياء الأساسية، التي لا ترسم فارقاً بين الماضي والمستقبل.
لذا فإن حجة بولتزمان يمكن قلبها رأساً على عقب، فإذا استطعت أن تجادل بأن الإنتروبيا يجب أن تزداد كلما ذهبت إلى المستقبل، فإنك أيضاً تستطيع أن تجادل بأن الإنتروبيا يجب أن تزداد أيضاً كلما ذهبت إلى الماضي.
اعتقد بولتزمان أنه لأن البيض المكسور تغلب احتماليته على البيض السليم، فإنه من المنطق أن نتوقع تحول البيض السليم إلى مكسور، لكن هنالك تفسير آخر، فالبيض السليم لا يحتمل تواجده وهو نادر أيضاً، لذا فإن البيض الذي يمضي معظم وقته مكسور، يقفز في الأحيان القليلة ليتحول إلى بيض سليم لبرهة قبل انكساره مرة أخرى.
باختصار، تستطيع استخدام أفكار بولتزمان حول الإنتروبيا لتجادل بأن المستقبل والماضي وجهان لعملة واحدة، ولكن هذا ليس ما نراه بالفعل، لذا ها نحن نعود إلى نقطة البداية! ، لماذا يوجد سهم زمن من الأساس؟
«لماذا يوجد سهم زمن من الأساس؟»
كون فوضوي
Messy universe (Credit: NASA/ESA/Hubble Heritage Team (STSclAURA)/A. Aloisi (STSclESA
اقترح بولتزمان عدة حلول لهذه المشكلة، أحدها وربما أفضلها أصبح معروفاً باسم «فرضية الماضي – the past hypothesis» وهو بسيط جداً : في نقطة ما في الماضي السحيق، كان الكون في حالة إنتروبيا منخفضة.
يختفي النقص في منطق بولتزمان – إذا صح هذا الحل – ويبدو المستقبل والماضي عندها مختلفان، لأن الماضي يمتلك إنتروبيا أقل من المستقبل، لذا ينكسر البيض ولكن لا ينصلح.
«تقبل الفيزيائيون أفكاره خلال مسيرة عقد من الزمن»
هو عمل متقن بالفعل، لكنه يثير سؤالاً جديداً : لماذا «فرضية الماضي» صحيحة؟، إنتروبيا قليلة لهي أمر غير مرجح، لذا لماذا كان هنالك إنتروبيا للكون في حالة لافتة للنظر في وقت ما في الماضي السحيق؟
نجح بولتزمان في التحايل على هذا السؤال، وتمكن من حله، هذا المهووس الباعث على الاكتئاب الذي رُفضت أفكاره من غالب المجتمع الفيزيائي، وشعر يقيناً بأن عمل حياته سوف يذهب أدراج الرياح، لذا في رحلة عائلية بالقرب من مدينة تريسيتي في إيطاليا، قام لودويج بولتزمان بشنق نفسه.
كان انتحاره مأساوياً جداً، وبعدها وخلال عقد من الزمن الفيزيائيون يتقبلون أفكاره عن الذرات، وبعد عقد آخر اقترحت اكتشافات جديدة وجود تفسير لفرضية الماضي.
نحن الآن، نعلم أن الكون عمره 14 مليار عام
We now know the universe is about 14 billion years old (Credit: NASA/ESA)
في القرن العشرين، تغيرت صورتنا عن الكون بشكل كبير، واكتشفنا بداية له.
«بدأ الكون كنقطة سوداء لا نهائية، ثم انفجرت»
أبّان بولتزمان، اعتقد معظم الفيزيائيين أن الكون سرمدي – كان موجوداً منذ الأبد – لكن في عشرينيات ذاك القرن، أخذوا صورة عنه الكون بأنه مستمر بالتمدد، وهذا يعني أن كل شيء في الوجود، كان في يوم من الأيام قريب من بعضه.
خلال العقود التالية، أصبح الفيزيائيون مجمعين على أن الكون بدأ بدرجة حرارة عالية جداً، ونقطة لا متناهية في الكثافة، هذا الكون تمدد وبرد بسرعة، وشكل كل شيء موجود حولنا، وهذا التمدد السريع من كون صغير حار سمي بـ «الإنفجار العظيم».
بدا هذا الطرح داعماً لفرضية الماضي، يقول شون كارول :« تخبرنا هذه الحيلة بشكل واضح أن الكون المبكر امتلك إنتروبيا منخفضة لكن لماذا امتلك إنتروبيا منخفضة من الأساس، يقبع شيء ما هناك قبل 14 مليار عام بالقرب من الانفجار العظيم لا نعرف الإجابة عنه»
سحب كبيرة من غاز متكاثف إلى نجوم وكواكب
Large clouds of gas condense into stars and planets (Credit: Mopic/Alamy)
الانفجارات فوضوية ويوجد طرق عديدة يمكن فيها إعادة ترتيب المادة والطاقة في الكون المبكر بحيث يبقى حار وصغير ومتمدد، لكن يتضح لنا أن الإنتروبي تختلف قليلاً عندما تتواجد المادة بكثرة حول بعضها.
تخيل منطقة شاسعة وخالية من الفضاء، في منتصفها غيمة غازية بكتلة الشمس، وتخيل أن الجاذبية تجذب هذا الغازات معاً لتتكتل وتتنهار إلى نجم في نهاية الأمر، كيف يكون هذا ممكناً خصوصاً إذا كانت الإنتروبيا بازدياد ؟!، ونحن نعلم أنه يوجد طرق عدة لترتيب الغاز عندما يكون متناثراً.
أهمية التكتل
الإجابة على هذا السؤال هي أن الجاذبية تؤثر على الإنتروبيا، بطريقة لم يفهمها الفيزيائيون بعد بالشكل الكامل، خصوصاً مع الأجسام الهائلة، أن تكون متكتلاً هو أكثر إنتروبيا من أن تكون متكاثفاً ومنتظمناً، لذا فإن كوناً مع مجرات ونجوم وكواكب يملك فعلياً إنتروبيا أعلى من كون مليء بالغاز الساخن الكثيف.
هذا يعني أننا في مشكلة جديدة، لأن طبيعة الكون التي يجب أن تتولد مباشرة بعد الانفجار العظيم – انفجار حار وكثيف – هي طبيعة يجب أن تكون ذات إنتروبيا منخفضة ، لكن هذا لا يتفق والنتائج الموجودة! ، يعلق شون على هذا الاستنتاجبقوله:« كأننا لم نحصل على كون عشوائي من ضمن كيس أكوان».
لذا كيف بدأ الكون في حالة بعيدة الاحتمال؟ إنه ليس حتى واضحاً ما نوع الإجابة لهذا السؤال التي ستكون مرضية، ونستعرض سؤال فيلسوف الفيزيائ في جامعة نيويورك، تيم ماودلين :
« ما الذي قد يعتبر تفسير علمي للحالة الأولية للكون ؟»
لربما كان كوننا واحداً من كثير
Perhaps our universe is one of many (Credit: Detlev van Ravenswaay/Science Photo Library)
إحدى الأفكار هي أنه كان هنالك شيء قبل الانفجار العظيم، لكن هل تفسر هذه الفكرة وجود الإنتروبيا المنخفضة في الكون المبكر؟
اقترح شون كارول وواحد من طلابه السابقين نموذجاً بحيث تستمر أكوان صغيرة (baby universes) بالظهور، متوالدة من كونها الأب ومتمددة لتصبح كوناً كما كوننا، هذه الأكوان الصغيرة قد تبدأ بإنتروبيا قليلة، لكن الإنتروبيا للأكوان المتعددة في المجموع ستكون كبيرة.
لا تستطيع أفضل نظرياتنا في الفيزياء معالجة الانفجار العظيم
إذا كان هذا صحيحاً، عندها سوف يبدو الكون المبكر كأنه يمتلك إنتروبيا قليلة، هذا لأننا لا نستطيع رؤية الصورة الكاملة، ونفس الشيء أيضاً بالنسبة إلى سهم الزمن، يضيف كارول :
«هذا النوع من الأفكار يتضمن أن الماضي البعيد في صورتنا الكاملة للكون سوف يبدو كالمستقبل».
لا يوجد اتفاق على مستوى عالمي على تفسير كارول لفرضية الماضي، أو حتى أي تفسير آخر وهو بنفسه يقول أنها مجرد اقتراحات ولا واحد منها يعتبر واعداً أو مستقراً .
جزء من المشكلة هي أن أفضل نظرياتنا في الفيزياء لا تستطيع فعلياً معالجة الانفجار العظيم، وبدون أي طريقة لوصف ما حدث عند ميلاد الكون، فإنه لا نستطيع تفسير لماذا احتوت على إنتروبيا منخفضة.
لا تزال الفيزياء غير قادرة على تفسير كل شيء
Physics still can’t explain everything (Credit: Markus Schieder/Alamy)
تعتمد الفيزياء الحديثة على نظريتين رئيسيتين : ميكانيكا الكم التي تفسر سلوك الأشياء الصغيرة مثل الذرات، بينما تصف النسبية العامة الأشياء الثقيلة كالنجوم، لكن النظريتان ليستا على توافق.
«لم يستطع أحد أن ينجح في الإتيان بنظرية كل شيء
لذلك إذا كان شيء ما صغيراً جداً وثقيلاً جداً، ككوننا أثناء الانفجار العظيم، فإن الفيزيائيين يصبحون في مأزق، لأنهم حتى يستطيعون وصف الكون المبكر، لا بد لهم من دمج هاتين النظريتين إلى “نظرية كل شيء”.
ستمثل النظرية النهائية مفتاحاً لفهم سهم الزمن، وتقول مارينا كورتيس، الفيزيائية في جامعة أدنبرة في المملكة المتحدة :« إيجادنا لهذه النظرية سوف يجعلنا نعرف بالنهاية كيف تبني الطبيعة الفضاء والزمن»
للأسف، بالرغم من عقود من المحاولة، لم يتوصل أحد إلى نظرية كل شيء، لكنه يوجد بعض من المرشحين.
ربما المادة ليست إلا مصنوعة من أوتار
Maybe all matter is made of tiny strings (Credit: Equinox Graphics/Science Photo Library)
أكثر النظريات الواعدة بأن تصبح نظرية كل شيء هي نظرية (الأوتار) التي تنص على أن الجسيمات تحت الذرية هي في الحقيقة مصنوعة من أوتار صغيرة، كما تخبرنا النظرية أن الفضاء يحوي أبعاداً إضافية، وراء الأبعاد الثلاثة المعتادين عليها هنالك تنطوي على مستوى ميكروسكوبي أبعاد أضافية، كما أننا أيضاُ نعيش ضمن أكوان متعددة حيث تختلف قوانين الفيزياء من كون لآخر.
قد لا تساعدنا نظرية الأوتار في تفسير سهم الزمن
قد يبدو ما ذكرناه ضرباً من الخيال، ومع ذلك، فإن معظم علماء فيزياء الجسيمات ينظرون إلى نظرية الأوتار على أنها أفضل أمل للوصول إلى نظرية كل شيء.
لكن لماذا لا يساعدنا هذا على تفسير لماذا يسير الوقت إلى الأمام؟
ذلك لأن نظرية الأوتار مثلها مثل أي نظرية فيزيائية أساسية أخرى، فمعادلاتها لا ترسم فرقاً ملحوظاً بين الماضي والمستقبل.
قد لا تساعدنا نظرية الأوتار – إذا ما اتضح صحتها – على تفسير سهم الزمن، لذا فإن (كورتيس) تحاول أن تأتي بشيء أفضل.
يتجه الوقت إلى الأمام فقط
Time only ever goes forwards, but no one knows why (Credit: dbimages/Alamy)
عملت مارينا كورتيس في الآونة الأخيرة على بدائل عن نظرية الأوتار، تشمل هذه البدائل سهم الزمن على مستوى رئيسي، كما عمل معها « لي سمولين – Lee Smolin» من المعهد المحيطي للفيزياء النظرية في كندا.
الوقت ليس في الحقيقة وهماً
يقترح سمولين ومارينا أن الكون مصنوع بالكامل من سلسلة من الأحداث الفريدة، أحداث لا تكرر نفسها أبداً، وكل مجموعة أحداث تؤثر فقط على الأحداث في التشكيلة التي تليها، لذا يندرج سهم الزمن معها، وتعلق كورتيس قائلة :« نأمل أننا إذا ما استطعنا استخدام هذا النوع من المعادلات في علم الكونيات، أن نصل إلى المشكلة في حالتها البدائية – تقصد هنا حالة الكون – ونجد أنها ليست بهذه الأهمية »
هذا الطرح لا يتوافق وتفسير بولتزمان، الذي ينطوي سهم الزمان فيه على نوع من حادثة نشأت من قوانين الاحتمالات، وتقول مارينا :«الوقت ليس في الحقيقة وهم، لكنه موجود ويتحرك فعلياً إلى الأمام»
لا يرى معظم الفيزيائيين مشكلة مع تفسير بولتزمان، يقول ديفيد ألبرت، أستاذ الفلسفة في الفيزياء لجامعة كولومبيا في نيويورك :« منذ زمن طويل، وضعنا بولتزمان على الطريق الصحيح لحل معضلة الوقت ، لذا يوجد أمل حقيقي إذا بحثنا متخذين كافة وسائل الحيطة والحذر، فالقصة كاملة هي كما رواها بولتزمان»
يعتقد كارول أنه إذا تأكد وجود انفجار عظيم ذا إنتروبيا منخفضة فإننا نستطيع تفسير الفارق بين الماضي والمستقبل.
داخل مصادم الهادرونات الكبير
Inside the Large Hadron Collider (Credit: Julian Herzog, CC by 3.0)
بطريقة أو بأخرى، حتى نفسر سهم الوقت فإننا نحتاج إلى تفسير حالة الإنتروبيا المنخفضة عند بداية الكون، هذا سوف يأخذنا إلى نظرية كل شيء، أو نظرية الأوتار، أو الأسس التي وضعها كورتيس وسمولين، أو حتى شيء نجهل ماهيته، لكن البحث عن نظرية كل شيء هو جارٍ منذ 90 سنة حتى الآن، لذا كيف نجد ضالتنا؟ وكيف نميزها عن غيرها بمجرد عثورنا عليها؟
يتوارى أفضل الآمال خلف أكبر آلة عرفتها البشرية
قد نستطيع اختبارها بالاعتماد على شيءٍ في منتهى الصغر والكثافة، لكننا لا نستطيع العودة في الزمن إلى الانفجار العظيم، وبغض النظر عما شاهدته مؤخراً في فيلم شهير، إلا أننا لا نستطيع الغوص في ثقب أسود وإرسال معلومات منه وعنه، لذا ما الذي نستطيع فعله إذا أردنا تفسير لماذا لا يعود البيض المكسور كما كان؟
في الوقت الحاضر، يتوارى أفضل آمالنا خلف أكبر آلة عرفتها البشرية، (مصادم الهادرونات الكبير – LHC) هو مسارع جسيمات يسيرفي مسار دائري طوله 27 كم تحت حدود فرنسا وسويسرا، محطماً البروتونات معاً بسرعة تقترب من سرعة الضوء، كما تولد الطاقة الهائلة الناتجة من هذه التصادمات جسيمات جديدة.
أغلق مصادم الهادرونات في السنتين الماضيتين من أجل التصليحات، لكنه سيعود إلى العمل في ربيع سنة ال 2015 م، وسوف يعمل لأول مرة في كامل طاقته، والجدير بالذكر أنه عندما بلغت طاقته النصف في 2012 م ، اكتشف الهيجز بوزون – جسيم أولي يظن أنه المسؤول عن اكتساب المادة لكتلتها -، وكلل هذا الاكتشاف بجائزة نوبل، والآن سوف يبلغ المصادم طاقته الكاملة، وبقليل من الحظ سوف يلتقط مصادمنا قبساً من الجسيمات الأساسية الغير متوقعة والتي سوف تمهد الطريق إلى نظرية كل شيء.
لا شك أنه سوف يستغرق من مصادم الهادرونات عدة سنوات حتى يجمع البيانات الضرورية، ووقتاً أطول حتى تعالج البيانات ويتم تفسيرها، ولكن بمجرد ظهورها ربما سنتمكن في نهاية الأمر من فهم لماذا لا تستطيع إزالة هذه البيضة الغبية عن وجهك؟!!
محمد عامر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق